الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
وهي جمع شرط على وزن فعل وأصله مصدر، وأما الشرائط فواحدها شريطة، كذا في ضياء الحلوم مختصر شمس العلوم في اللغة فمن عبر هنا بالشرائط فمخالف للغة كما عرفت وللقاعدة التصريفية فإن فعائل لم يحفظ جمعا لفعل بفتح الفاء وسكون العين بخلاف التعبير بالفرائض فإنه صحيح؛ لأن مفرده فريضة كصحائف جمع صحيفة وهو في اللغة العلامة، كذا في فتح القدير، وأما في الصحاح الشرط معروف والشرط بالتحريك العلامة وقوله تعالى: {فقد جاء أشراطها} أي علاماتها وفي الشريعة ما يتوقف عليه وجود الشيء ولا يكون داخلا فيه، وقد قسم الأصوليون الخارج المتعلق بالحكم إلى مؤثر فيه ومفض إليه بلا تأثير فالأول العلة والثاني السبب وإلا، فإن توقف عليه الوجود فالشرط وإلا فإن دل عليه فالعلامة والشرط حقيقي وجعلي فالأول ما يتوقف عليه الشيء في الواقع والثاني شرعي أي بجعل الشرع فيتوقف شرعا كالشهود للنكاح والطهارة للصلاة وغير شرعي أي بجعل المكلف بتعليق تصرفه عليه مع إجازة الشرع كإن دخلت الدار فكذا وذكر الشمني أن المراد بالشروط هنا ما لا يكون المكلف بحصولها شارعا في الصلاة احترازا عن التحريمة فإنها شرط عندنا ولا تذكر في هذا الباب. ا هـ. وأطلق الشروط ولم يقيدها بالتقدم كما في مختصر القدوري؛ لأنه لا حاجة إليه؛ لأنها صفة كاشفة لا مخصصة إذ الشرط لا يكون إلا متقدما وما ذكره الشارحون بخلاف ذلك فقد رده في فتح القدير. (قوله: هي طهارة بدنه من حدث وخبث وثوبه ومكانه)، أما طهارة بدنه من الحدث فبآية الوضوء والغسل ومن الخبث فبقوله صلى الله عليه وسلم: «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» ولحديث فاطمة بنت أبي حبيش «اغسلي عنك الدم وصلي» والحدث مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل والخبث عين مستقذرة شرعا وقدم الحدث لقوته؛ لأن قليله مانع بخلاف قليل الخبث وفي غاية البيان وفيه نظر؛ لأن القطرة من الخمر أو الدم أو البول إذا وقعت في البئر تنجس والجنب أو المحدث إذا أدخل يده في الإناء لا ينجس والأولى أن يقال ليس فيه تقديم؛ لأن الواو لمطلق الجمع. ا هـ. وقد تقدم في الأنجاس شيء منه، وأما طهارة ثوبه فلقوله تعالى: {وثيابك فطهر} فإن الأظهر أن المراد ثيابك الملبوسة وأن معناه طهرها من النجاسة، وقد قيل في الآية غير هذا لكن الأرجح ما ذكرناه وهو قول الفقهاء وهو الصحيح كما ذكره النووي في شرح المهذب ولعموم الحديثين السابقين وإذا وجب التطهير لما ذكرناه في الثوب وجب في المكان والبدن بالأولى؛ لأنهما ألزم للمصلي منه لتصور انفصاله بخلافهما وأراد بالخبث القدر المانع الذي قدمه في باب الأنجاس فلا يرد عليه الإطلاق وأشار باشتراط طهارة الثوب إلى أنه لو حمل نجاسة مانعة فإن صلاته باطلة فكذا لو كانت النجاسة في طرف عمامته أو منديله المقصود ثوب هو لابسه فألقى ذلك الطرف على الأرض وصلى فإنه إن تحرك بحركته لا يجوز وإلا يجوز؛ لأنه بتلك الحركة ينسب لحمل النجاسة وفي الظهيرية الصبي إذا كان ثوبه نجسا أو هو نجس فجلس على حجر المصلي وهو يستمسك أو الحمام النجس إذا وقع على رأس المصلي وهو يصلي كذلك جازت الصلاة وكذلك الجنب أو المحدث إذا حمله المصلي لأن الذي على المصلي مستعمل له فلم يصر المصلي حاملا للنجاسة. ا هـ. ودل كلامه أنه لو صلى ورأسه يصل إلى السقف النجس أو في كلة متنجسة أو في خيمة كذلك فإنها لا تصح لكونه حاملا للنجاسة ولهذا قال في القنية إذا صلى في الخيمة ورفع سقفها لتمام قيامه جاز إذا كانت طاهرة وإلا فلا. ا هـ. وفي المحيط لو صلى وفي يده حبل مشدود على عنق الكلب تجوز صلاته؛ لأن الحبل لما سقط على الأرض فقد انقطع حكم الاتصال به فصار كالعمامة الطويلة. ا هـ. وكذا لو كان الحبل مشدودا في وسطه وكذا لو كان مربوطا في سفينة فيها نجاسة ومذهب الشافعي أن الصلاة لا تصح في هذه المسائل؛ لأنه حامل للنجاسة كما نقله النووي ولو صلى ومعه جرو كلب أو كل ما لا يجوز أن يتوضأ بسؤره قيل لم يجز والأصح أنه إن كان فمه مفتوحا لم يجز؛ لأن لعابه يسيل في كمه فيصير مبتلا بلعابه فيتنجس كمه فيمنع الجواز إن كان أكثر من قدر الدرهم وإن كان فمه مشدودا بحيث لا يصل لعابه إلى ثوبه جاز؛ لأن ظاهر كل حيوان طاهر ولا ينجس إلا بالموت ونجاسة باطنه في معدنه فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي ولو صلى وفي كمه قارورة مضمومة فيها بول لم تجز صلاته؛ لأنه في غير معدنه ومكانه ولو صلى وفي كمه بيضة مذرة قد صار محها دما جازت؛ لأنه في معدنه والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة الكل في المحيط وأراد بالمكان موضع القدم والسجود فقط أما طهارة موضع القدم فباتفاق الروايات بشرط أن يضعهما على النجاسة، أما إن رفع القدم التي موضعها نجس وصلى جاز، وأما طهارة موضع السجود ففي أصح الروايتين عن أبي حنيفة وهو قولهما، وأما إن كانت النجاسة في موضع يديه وركبتيه وحذاء إبطيه وصدره جازت صلاته؛ لأن الوضع على النجاسة كلا وضع والسجود على اليدين والركبتين غير واجب فكأنه لم يسجد عليها وهذا ظاهر الرواية واختار أبو الليث أن صلاته تفسد وصححه في العيون ولو صلى على مكان طاهر إلا أنه إذا سجد تقع ثيابه على أرض نجسة جازت صلاته بالطريق الأولى؛ لأن قيامه على مكان طاهر ولو صلى على بساط وعلى طرف منه نجاسة فالأصح أنه يجوز كبيرا كان أو صغيرا؛ لأنه بمنزلة الأرض فلا يصير مستعملا للنجاسة وهو بالطريق الأولى؛ لأن النجاسة إذا كانت لا تمنع في موضع الركبتين واليدين فههنا أولى، وفي الخلاصة ولو بسط بساطا رقيقا على الموضع النجس وصلى عليه إن كان البساط بحال يصلح ساترا للعورة تجوز الصلاة وإن كانت رطبة فألقى عليها ثوبا وصلى إن كان ثوبا يمكن أن يجعل من عرضه ثوبا يجوز عند محمد وإن كان لا يمكن لا يجوز وكذا لو ألقى عليها لبدا فصلى عليه يجوز وقال الحلواني لا يجوز حتى يلقي على هذا الطرف الطرف الآخر فيصير بمنزلة ثوبين وإن كانت النجاسة يابسة جازت يعني إذا كان يصلح ساترا. ا هـ. ولو صلى على ما له بطانة متنجسة وهو قائم على ما يلي موضع النجاسة من الطهارة عن محمد يجوز وعن أبي يوسف لا يجوز وقيل جواب محمد في غير المضرب فيكون حكمه حكم ثوبين وجواب أبي يوسف في المضرب فحكمه حكم ثوب واحد فلا خلاف بينهما، قال في التجنيس والأصح أن المضرب على الخلاف ذكره الحلواني ولو قام على النجاسة وفي رجليه نعلان أو جوربان لم تجز صلاته؛ لأنه قام على مكان نجس ولو افترش نعليه وقام عليهما جازت الصلاة بمنزلة ما لو بسط الثوب الطاهر على الأرض النجسة وصلى عليه جاز، وفي المبسوط من كتاب التحري يجوز لبس الثوب النجس لغير الصلاة ولا يلزمه الاجتناب وذكر في البغية تلخيص القنية خلافا فيه. (قوله: وستر عورته) للإجماع على أنه فرض في الصلاة كما نقله غير واحد من أئمة النقل إلى أن حدث بعض المالكية فخالف فيه كالقاضي إسماعيل وهو لا يجوز بعد تقرر الإجماع ويعضده قوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} أي محلها والمراد ما يواري عورته عند كل صلاة إطلاقا، لاسم الحال على المحل في الأول وعكسه في الثاني وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» أي البالغة سميت حائضا؛ لأنها بلغت سن الحيض والتقييد بالحائض يخرج التي دون البلوغ لما قال في المحيط مراهقة صلت بغير وضوء أو عريانة تؤمر بالإعادة وإن صلت بغير قناع فصلاتها تامة استحسانا لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تصلي حائض بغير قناع» فلا يتناول غير الحائض ولأن ستر عورة الرأس لما سقط بعذر الرق فبعذر الصبا أولى؛ لأنه يسقط بعذر الصبا الخطاب بالفرائض بخلاف غيره من الشرائط لا يسقط بعذر الصبا. ا هـ. قال أهل اللغة سميت العورة عورة لقبح ظهورها ولغض الأبصار عنها مأخوذة من العور وهو النقص والعيب والقبح ومنه عور العين والكلمة العوراء القبيحة أطلق فيما يستر به فشمل ما يباح لبسه وما لا يباح فلو سترها بثوب حرير وصلى صحت وأثم كالصلاة في الأرض المغصوبة ولو لم يجد غيره يصلي فيه لا عريانا وحد الستر أن لا يرى ما تحته حتى لو سترها بثوب رقيق يصف ما تحته لا يجوز وشمل ما إذا كان بحضرته أحد أو لم يكن حتى لو صلى في بيت مظلم عريانا وله ثوب طاهر لا يجوز إجماعا؛ لأن الستر مشتمل على حق الله وحق العباد وإن كان مراعى في الجملة بسبب استتاره عنهم فحق الله تعالى ليس كذلك، فإن قيل الستر لا يحجب عن الله تعالى؛ لأنه سبحانه يرى المستور كما يرى المكشوف أجيب بأنه يرى المكشوف تاركا للأدب والمستور متأدبا وهذا الأدب واجب مراعاته عند القدرة عليه وإن صلى في الماء عريانا إن كان كدرا صحت صلاته وإن كان صافيا يمكن رؤية عورته لا تصح، كذا في السراج الوهاج وصورة الصلاة في الماء الصلاة على جنازة وإلا فلا يصح التصوير وأراد بسترها الستر عن غيره لا عن نفسه حتى لو رأى فرجه من زيقة أو كان بحيث يراه لو نظر إليه فإنها صحيحة عند العامة وهو الصحيح كما في المحيط وغيره لكن في السراج الوهاج إذا صلى في قميص عليه بغير إزرار فعليه أن يزره لما روي عن «سلمة بن الأكوع قال قلت: يا رسول الله أصلي في قميص واحد فقال زره عليك ولو بشوكة» والمستحب أن يصلي في ثلاثة أثواب قميص وإزار وعمامة والمكروه أن يصلي في سراويل واحد، كذا في المحيط وبهذا علم أن لبس السراويل في الصلاة ليس بواجب؛ لأن الستر من أسفل ليس بلازم بل إنما يلزم من جوانبه وأعلاه ولذا قال في منية المصلي ومن صلى في قميص ليس له غيره فلو نظر إنسان من تحته رأى عورته فهذا ليس بشيء واعلم أن ستر العورة خارج الصلاة بحضرة الناس واجب إجماعا إلا في مواضع وفي الخلوة فيه خلاف والصحيح الوجوب إذا لم يكن الانكشاف لغرض صحيح، كذا في شرح المنية. (قوله: وهي من تحت سترته إلى تحت ركبته) أي ما بينهما فالسرة ليست بعورة والركبة عورة فالغاية هنا لم تدخل تحت المغيا لما رواه الحاكم من غير تعقب «ما بين السرة والركبة عورة» ولرواية الدارقطني: «ما تحت السرة إلى الركبة عورة» ولرواية البيهقي: «الفخذ عورة»، وأما انكشاف فخذه صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر فلم يكن قصدا، ولأن الركبة ملتقى عظمي الساق والفخذ والتمييز بينهما متعذر فاجتمع المحرم والمبيح فغلب المحرم احتياطا كذا قالوا، وقد يقال: إن هذا يقتضي أن تكون السرة عورة كما هو رواية عن أبي حنيفة فإنه تعارض في السرة المحرم والمبيح، وقد يجاب عنه بأنه لم يكن محرما لدليل اقتضاه وهو ما أخرج أحمد في مسنده عن عمير بن إسحاق «قال كنت أمشي مع الحسن بن علي في بعض طرق المدينة فلقينا أبو هريرة فقال للحسن اكشف لي عن بطنك جعلت فداك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله قال فكشف عن بطنه فقبل سرته» كذا في شرح المنية وكان محمد بن الفضل يقول من السرة إلى موضع نبات شعر العانة ليس بعورة لتعامل العمال في إبداء ذلك الموضع عند الاتزار وفي ستره نوع حرج وهذا القول ضعيف؛ لأن التعامل بخلاف النص لا يعتبر، كذا في السراج وفي الظهيرية وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ حتى لو رأى رجل غيره مكشوف الركبة ينكر عليه برفق ولا ينازعه إن لج وإن رآه مكشوف الفخذ ينكر عليه بعنف ولا يضربه إن لج وإن رآه مكشوف السوأة أمره بستر العورة وأدبه على ذلك إن لج. ا هـ. وهو يفيد أن لكل مسلم التعزير بالضرب فإنه لم يقيده بالقاضي وسيأتي إن شاء الله تعالى في بابه. (قوله: وبدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها) لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال ابن عباس وجهها وكفيها وإن كان ابن مسعود فسره بالثياب كما رواه إسماعيل القاضي من حديث ابن عباس مرفوعا بسند جيد ولأن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب» ولو كانا عورة لما حرم سترهما ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والإعطاء فلم يجعل ذلك عورة وعبر بالكف دون اليد كما وقع في المحيط للدلالة على أنه مختص بالباطن وأن ظاهر الكف عورة كما هو ظاهر الرواية وفي مختلفات قاضي خان ظاهر الكف وباطنه ليسا بعورة إلى الرسغ ورجحه في شرح المنية بما أخرجه أبو داود في المراسيل عن قتادة مرفوعا: «أن المرأة إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل» ولأن الظاهر أن إخراج الكف عن كونه عورة معلول بالابتلاء بالإبداء إذ كونه عورة مع هذا الابتلاء موجب للحرج وهو مدفوع بالنص وهذا الابتلاء كما هو متحقق في باطن الكف متحقق في ظاهره. ا هـ. والمذهب خلافه وللتنصيص على أن الذراع عورة وعن أبي يوسف ليس بعورة واختاره في الاختيار للحاجة إلى كشفه للخدمة ولأنه من الزينة الظاهرة وهو السوار وصحح في المبسوط أنه عورة وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها والمذهب ما في المتون لأنه ظاهر الرواية كما صرح به في شرح منية المصلي واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس بعورة وجواز النظر إليه فحل النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع انتفاء العورة ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ولا عورة، كذا في شرح المنية قال مشايخنا تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة وشمل كلامه الشعر المترسل وفيه روايتان وفي المحيط والأصح أنه عورة، وأما غسله في الجنابة فموضوع على الصحيح واستثنى المصنف القدم للابتلاء في إبدائه خصوصا الفقيرات وفيه اختلاف الرواية عن أبي حنيفة والمشايخ فصحح في الهداية وشرح الجامع الصغير لقاضي خان أنه ليس بعورة واختاره في المحيط وصحح الأقطع وقاضي خان في فتاويه على أنه عورة واختاره الإسبيجابي والمرغيناني وصحح صاحب الاختيار أنه ليس بعورة في الصلاة وعورة خارجها ورجح في شرح المنية كونه عورة مطلقا بأحاديث منها ما رواه أبو داود والحاكم عن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: «أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار فقال إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها» ولظاهر الآية على ما تقدم من تفسيرها عن عائشة وابن عباس موقوفا ومرفوعا وصرح في النوازل بأن نغمة المرأة عورة وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب إلي من تعلمها من الأعمى ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» فلا يجوز أن يسمعها الرجل ومشى عليه المصنف في الكافي فقال ولا تلبي جهرا؛ لأن صوتها عورة ومشى عليه صاحب المحيط في باب الأذان وفي فتح القدير وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقرآن في الصلاة فسدت كان متجها. ا هـ. وفي شرح المنية الأشبه أن صوتها ليس بعورة، وإنما يؤدي إلى الفتنة كما علل به صاحب الهداية وغيره في مسألة التلبية ولعلهن إنما منعن من رفع الصوت بالتسبيح في الصلاة لهذا المعنى ولا يلزم من حرمة رفع صوتها بحضرة الأجانب أن يكون عورة كما قدمناه وفي الظهيرية الصغيرة جدا لا تكون عورة ولا بأس بالنظر إليها ومنها وفي السراج الوهاج، وأما عورة الصبي والصبية فما داما لم يشتهيا فالقبل والدبر، ثم يتغلظ بعد ذلك إلى عشر سنين، ثم يكون كعورة البالغين؛ لأن ذلك زمان يمكن بلوغ المرأة فيه وكل عضو هو عورة من المرأة إذا انفصل منها هل يجوز النظر إليه فيه روايتان إحداهما يجوز كما يجوز النظر إلى ريقها ودمعها والثانية لا يجوز وهو الأصح وكذا الذكر المقطوع من الرجل وشعر عانته إذا حلق والأصح أنه لا يجوز. (قوله: وكشف ربع ساقها يمنع وكذا الشعر والبطن والفخذ والعورة الغليظة)؛ لأن قليل الانكشاف عفو عندنا للضرورة فإن ثياب الفقراء لا تخلو عن قليل خرق كالنجاسة القليلة والكثيرة مفسد لعدمها فاعتبر الربع وأقيم مقام الكل احتياطا؛ لأن للربع شبها بالكل كما في حلق ربع الرأس فإنه يجب به الدم كما لو حلق كله وأما ما وقع في الهداية من التشبيه بمسح الرأس ففيه إشكال فإنه لم يكن الواجب فيه مسح جميع الرأس؛ لأن النص لم يتناول إلا البعض، أما في الإحرام فالنص تناوله كله قال الله تعالى: {ولا تحلقوا رءوسكم} فأقيم ربعه مقام كله أطلق في الشعر فشمل ما على الرأس والمسترسل وفي الثاني خلاف، وقد قدمنا أن الصحيح أنه عورة وأراد بالغليظة القبل والدبر وما حولهما والخفيفة ما عدا ذلك من الرجل والمرأة ونص على الغليظة للرد على الكرخي القائل بأنه يعتبر في الغليظة ما زاد على قدر الدرهم قياسا على النجاسة المغلظة قال المصنف في الكافي وهذا ليس بقوي؛ لأنه قصد به التغليظ في الغليظة وهو في الحقيقة تخفيف؛ لأنه اعتبر في الدبر أكثر من قدر الدرهم والدبر لا يكون أكثر منه فهذا يقتضي جواز الصلاة وإن كان الكل مكشوفا وهو تناقض، وقد أجاب عنه في فتح القدير بأنه قد قيل الغليظة القبل والدبر مع ما حولهما فيجوز كونه اعتبر ذلك فلا يرد عليه ما قالوه. ا هـ. وهو عجيب؛ لأنه لا يفهم مما قيل أن المجموع عضو واحد بل بيان العورة الغليظة كيف، وقد صرحوا بأن كلا من الذكر والخصيتين عضو مستقل وصححه في الهداية والخانية؛ لأن كلا منهما يعتبر عضوا على حدته في الدية فكذا هنا للاحتياط وفي رواية أن الكل عضو واحد وعلى كل تقدير لم يقل أحد بأن القبل والدبر عضو واحد إلا أن يقال إن مراده أن القبل مع ما حوله عضو والدبر مع ما حوله عضو، وأما الركبة مع الفخذ فالأصح أنهما عضو واحد، كذا في التجنيس وهو المختار، كذا في الخلاصة؛ لأن الركبة ملتقى عظم الساق والفخذ فليست بعضو مستقل في الحقيقة، وإنما جعلت عورة تبعا للفخذ احتياطا فعلى هذا لو صلى وركبتاه مكشوفتان والفخذ مغطى فإنه يجوز، كذا في المنية وفي شرحها والصحيح أن الكعب ليس بعضو مستقل بل هو مع الساق عضو واحد فعلى هذا إنما يمنع ربع الساق مع ربع الكعب أو مقدار ربعهما والدبر عضو واحد وكل ألية عضو واحد وهو الأصح وكل أذن عضو على حدة وثدي المرأة إن كانت ناهدة فهي تبع لصدرها وإن كانت منكسرة فهي أصل بنفسها والناهدة بمعنى النافرة من الصدر غير مسترخية والثدي يذكر ويؤنث والتذكير أشهر ولم يذكر في المغرب سوى التذكير وما بين السرة والعانة عضو والمراد منه حول جميع البدن، كذا في المحيط وفي الزيادات امرأة صلت فانكشف شيء من فخذها وشيء من ساقها وشيء من صدرها وشيء من عورتها الغليظة ولو جمع بلغ ربع عضو صغير منها لم تجز صلاتها؛ لأن جميع الأعضاء عند الانكشاف كعضو واحد فيجمع كالنجاسة المتفرقة في مواضع والطيب للمحرم في مواضع بخلاف الخروق كما قدمنا في المسح على الخفين وذكر الشارح أنه ينبغي أن يعتبر بالأجزاء وإلا يمنع القليل فلو انكشف نصف ثمن الفخذ ونصف ثمن الأذن وذلك يبلغ ربع الأذن أو أكثر لا ربع جميع العورة المنكشفة لا تبطل وحاصله أنه ينظر إلى مجموع الأعضاء المنكشفة بعضها وإلى مجموع المنكشف، فإن بلغ مجموع المنكشف ربع مجموع الأعضاء منع وإلا فلا وهو ظاهر كلام محمد في الزيادات في موضع آخر حيث قال إذا صلت وانكشف شيء من شعرها وشيء من ظهرها وشيء من فرجها إن كان بحال لو جمع بلغ الربع منع وإلا فلا ثم قال الزاهدي ولم يذكر أنه بلغ ربع أصغرها أم أكبرها وفي شرح المجمع لابن الملك اعلم أن انكشاف ما دون الربع معفو إذا كان في عضو واحد وإن كان في عضوين أو أكثر وجمع بلغ ربع أدنى عضو منها يمنع جواز الصلاة. ا هـ. وهو تفصيل لا دليل عليه فإن الدليل اقتضى اعتبار الربع سواء كان في عضو واحد أو عضوين وأطلق في المنع وهو مقيد بما إذا كان في الزمن الكثير لما في فتح القدير الحاصل أن الانكشاف الكثير في الزمن القليل لا يفسد والانكشاف القليل في الزمن الكثير أيضا لا يفسد والمفسد الانكشاف الكثير في الزمن الكثير، وقدر الكثير ما يؤدى فيه ركن والقليل دونه فلو انكشف فغطاها في الحال لا تفسد إن لم يكن بفعله وإن كان بفعله فسدت في الحال عندهم، كذا في القنية وهو تقييد غريب وهذا عند أبي يوسف ومحمد اعتبر أداء الركن حقيقة، وعلى هذا الخلاف لو قام في صف النساء للازدحام أو قام على نجاسة مانعة، وإنما عبر المصنف بالمنع دون الفساد ليشمل ما إذا أحرم مكشوف العورة فإنه مانع من الانعقاد وما إذا انكشف بعد الإحرام فإنه يمنع صحتها، وحكم النجاسة المانعة كالانكشاف المانع وتفرع على ما ذكرنا ما في المحيط أمة صلت بغير قناع فرعفت، ثم أعتقت فتوضأت، ثم تقنعت وعادت إلى الصلاة جازت؛ لأنها ما أدت شيئا من الصلاة مع كشف العورة وإن عادت، ثم تقنعت فسدت؛ لأنها أدت شيئا من الصلاة مع الكشف. (قوله: والأمة كالرجل وظهرها وبطنها عورة)؛ لأنها محل الشهوة دونه وكل من الظهر والبطن موضع مشتهى وما عدا هذه الجملة منها ليس بعورة سواء كان رأسا أو كتفا أو ساقا للحرج، وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب أمة متقنعة وقال اكشفي رأسك لا تتشبهي بالحرائر في توضيح المالكية، فإن قيل لم منع عمر الإماء من التشبه بالحرائر فجوابه أن السفهاء جرت عادتهم بالتعرض للإماء فخشي عمر أن يلتبس الأمر فيتعرض السفهاء للحرائر فتكون الفتنة أشد وهو معنى قوله عز وجل : {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} أي يتميزن بعلامتهن عن غيرهن، وظاهره أنه يكره للأمة ستر جميع بدنها ولا يخفى ما فيه وعلى كل تقدير ينبغي أن يقال يستحب لها ذلك في الصلاة ولم أره لأئمتنا بل هو منقول الشافعية كما ذكره النووي والأمة في اللغة خلاف الحرة، كذا في الصحاح فلهذا أطلقها ليشمل القنة والمدبرة والمكاتبة والمستسعاة وأم الولد وعندهما المستسعاة حرة والمراد بالمستسعاة معتقة البعض، وأما المستسعاة المرهونة إذا أعتقها الراهن وهو معسر فهي حرة اتفاقا، وقد وقع تردد في بعض الدروس في الجنب هل هو عورة أو لا فذكرت أنه عورة، ثم رأيته في القنية قال الجنب تبع البطن والأوجه أن ما يلي البطن تبع له. ا هـ. ولو أعتقت وهي في الصلاة مكشوفة الرأس ونحوه فسترته بعمل قليل قبل أداء ركن جازت لا بكثير أو بعد ركن، كذا في كثير من الكتب وقيده الشارح بأن تؤدي ركنا بعد العلم بالعتق فشرط علمها تبعا لما في الظهيرية والمصرح به في المجتبى أنها لو صلت شهرا بغير قناع، ثم علمت بالعتق منذ شهر تعيدها، وفي فتاوى قاضي خان إذا انكشفت عورته وأدى ركنا معه فسدت علم بذلك أو لم يعلم وذكر نحوه مسائل كثيرة وهذا أن المنطوقان أوجه من ذلك المفهوم المخالف وفي عدة الفتاوى رجل مات بمكة فلزم امرأة أن تعيد صلاة سنة فقل هو رجل علق عتق جاريته بموته فمات بمكة وهي لم تعلم بموته وصلت مكشوفة الرأس فإنها تعيد الصلاة من وقت موته. ا هـ. وفي المحيط بخلاف العاري إذا وجد الكسوة في خلال الصلاة فإنه يلزمه الاستقبال؛ لأنه يلزمه الستر بسبب سابق على الشروع وهو كشف العورة وهو متحقق قبل الصلاة فلما توجه إليه الخطاب بالستر في الصلاة استند إلى سببه فصار كأنه توجه إليه قبل الصلاة، وقد تركه بخلافها إذ العتق سبب خطابها بالستر، وقد وجد حالة الصلاة، وقد سترت كما قدرت وظاهره أنها لو كانت عاجزة عن الستر فلم تستتر كالحرة لا تبطل صلاتها وهو مصرح به في شرح منية المصلي معزيا إلى البدائع وفي شرح السراج الوهاج الخنثى إذا كان رقيقا فعورته عورة الأمة وإن كان حرا أمرناه أن يستر جميع بدنه لجواز أن يكون امرأة، فإن ستر ما بين سرته إلى ركبته وصلى قال بعضهم تلزمه الإعادة لجواز أن يكون امرأة، وقال بعضهم لا تلزمه الإعادة لجواز أن يكون رجلا. فرع حسن لم أره منقولا لأئمتنا وهو مذكور في شرح المهذب إذا قال لأمته إن صليت صلاة صحيحة فأنت حرة قبلها فصلت مكشوفة الرأس إن كان في حال عجزها عن ستره صحت صلاتها وعتقت وإن كانت قادرة على الستر صحت صلاتها ولا تعتق؛ لأنها لو عتقت لصارت حرة قبل الصلاة وحينئذ لا تصح صلاتها مكشوفة الرأس وإذا لم تصح لا تعتق فإثبات العتق يؤدي إلى بطلانه وبطلان الصلاة فبطل وصحت الصلاة. ا هـ. وسيأتي في الطلاق أن الراجح في مسألة الدور وهي إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا قبله أن يلغو قوله قبله، وإذا طلقها وقع الثلاث كما في فتح القدير فمقتضاه هنا أن يلغو قوله قبلها ويقع العتق كما لا يخفى. (قوله: ولو وجد ثوبا ربعه طاهر وصلى عاريا لم يجز) لأن ربع الشيء يقوم مقام كله فيجعل كأن كله طاهر في موضع الضرورة فيفترض عليه الصلاة فيه ولا يخفى أن محله ما إذا لم يجد ما يزيل به النجاسة ولا ما يقللها، فإن وجد في الصورتين وجب استعماله بخلاف ما إذا وجد ماء يكفي بعض أعضاء الوضوء فإنه يتيمم ولا يجب استعماله كما عرف في بابه وعلم حكم ما إذا كان الأكثر من الربع طاهرا بالأولى. (قوله: وخير إن طهر أقل من ربعه) يعني بين أن يصلي فيه وهو الأفضل لما فيه من الإتيان بالركوع والسجود وستر العورة وبين أن يصلي عريانا قاعدا يومئ بالركوع والسجود وهو يلي الأول في الفضل لما فيه من ستر العورة الغليظة وبين أن يصلي قائما عريانا بركوع وسجود وهو دونهما في الفضل وفي ملتقى البحار إن شاء صلى عريانا بالركوع والسجود أو مومئا بهما إما قاعدا وإما قائما فهذا نص على جواز الإيماء قائما، وظاهر الهداية أنه لا يجوز وعلى الأول المخير فيه أربعة أشياء وينبغي أن يكون الرابع دون الثالث في الفضل وإن كان ستر العورة فيه أكثر للاختلاف في صحته وهذا كله عندهما وعند محمد ليس بمخير ولا تجوز صلاته إلا في الثوب؛ لأن خطاب التطهير سقط عنه لعجزه ولم يسقط عنه خطاب الستر لقدرته عليه فصار كالطاهر في حقه ولهما أن المأمور به هو الستر بالطاهر فإذا لم يقدر عليه سقط فيميل إلى أيهما شاء ولو قال المصنف وخير إن طهر الأقل أو كان كله نجسا لكان أفود إذ الحكم كذلك مذهبا وخلافا كما في النهاية وغيرها أو اقتصر على الثاني ليفهم منه الأول بالأولى لكان أولى وفي الأسرار قول محمد أحسن بخلاف ما لو لم يجد إلا جلد ميتة غير مدبوغ فإنه لا يجوز أن يستر به عورته ولم تجز صلاته فيه؛ لأن نجاسة البول أو الدم أو نحوهما في الثوب كله تزول بالماء ونجاسة الجلد لا يزيلها الماء فكانت أغلظ. وأشار المصنف إلى أنه لو كان معه ثوبان ربع أحدهما طاهر والآخر أقل من الربع فإنه يصلي في الذي ربعه طاهر ولا يجوز عكسه لما أن طهارة الربع كطهارة الكل ويستفاد منه أن نجاسة أحدهما لو كانت قدر الربع والآخر أقل وجب أن يصلي في أقلهما ولا يجوز عكسه؛ لأن للربع حكم الكل ولما دون الربع حكم العدم، وإلى أنه لو كان في كل واحد منهما قدر الربع أو كان في أحدهما أكثر لكن لا يبلغ ثلاثة أرباعه وفي الآخر قدر الربع فإنه يصلي في أيهما شاء لاستوائهما في الحكم، وكذا لو كان معه ثوبان نجاسة كل واحد منهما أكثر من قدر الدرهم يتخير ما لم يبلغ أحدهما ربع الثوب لاستوائهما في المنع، وفي المحيط ولو كان الدم في ناحية من الثوب والطاهر منه بقدر ما يمكنه أن يتزر به لم يجز إلا أن يصلي فيه؛ لأنه يمكنه ستر العورة بثوب طاهر ولم يفصل بينهما إذا تحرك الطرف الآخر أو لم يتحرك. ا هـ. وبهذا علم أن التفصيل المتقدم إنما هو عند الاختيار، أما عند الضرورة فلا تفصيل، ثم الأصل في جنس هذه المسائل أن من ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء وإن اختلفا فعليه أن يختار أهونهما، ولهذا لو أن امرأة لو صلت قائمة ينكشف من عورتها ما يمنع جواز الصلاة ولو صلت قاعدة لا ينكشف منها شيء فإنها تصلي قاعدة لما أن ترك القيام أهون ولو كان الثوب يغطي جسدها وربع رأسها فتركت تغطية الرأس لا يجوز ولو كان يغطي أقل من الربع لا يضر والستر أفضل تقليلا للانكشاف ولو كان جريح لو سجد سال جرحه وإن لم يسجد لم يسل فإنه يصلي قاعدا مومئا؛ لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث، ألا ترى أن ترك السجود جائز حالة الاختيار في التطوع على الدابة ومع الحدث لا يجوز بحال، فإن قام وقرأ وركع، ثم قعد وأومأ للسجود جاز لما قلنا والأول أفضل وكذا شيخ لا يقدر على القراءة قائما ويقدر عليها قاعدا يصلي قاعدا؛ لأنه يجوز حالة الاختيار في النفل ولا يجوز ترك القراءة بحال ولو صلى في الفصلين قائما مع الحدث وترك القراءة لم يجز. (قوله: ولو عدم ثوبا صلى قاعدا مومئا بركوع وسجود وهو أفضل من القيام بركوع وسجود) لما عن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبوا في السفينة فانكسرت بهم فخرجوا من البحر عراة فصلوا قعودا بإيماء أراد بالثوب ما يستر عامة عورته ولو حريرا أو حشيشا أو نباتا أو كلأ أو طينا يلطخ به عورته ويبقى عليه حتى يصلي لا الزجاج الذي يصف ما تحته والعدم المذكور يثبت بعدم الوجود في ملكه وبعدم الإباحة له حتى لو أبيح له ثوب تثبت القدرة به على الأصح فلو صلى عاريا لم يجز كالمتيمم إذا أبيح له الماء وعن محمد في العريان يعده صاحبه أنه يعطيه الثوب إذا صلى فإنه ينتظره ولا يصلي عريانا وإن خاف فوت الوقت، كذا في السراج الوهاج وفي القنية عن أبي حنيفة ينتظره ما لم يخف فوت الوقت وأبو يوسف مع أبي حنيفة وينبغي ترجيحه قياسا على المتيمم إذا كان يرجو الماء في آخره وأطلق في الصلاة قاعدا فشمل ما إذا كان نهارا أو ليلا في بيت أو صحراء وهو الصحيح كما بينه في منية المصلي ومن المشايخ من خصه بالنهار أما في الليل فيصلي قائما؛ لأن ظلمة الليل تستر عورته قال في الذخيرة وهذا ليس بمرضي؛ لأن الستر الذي يحصل في ظلمة الليل لا عبرة به، ألا ترى أن حالة القدرة على الثوب إذا صلى عريانا في ظلمة الليل لا يجوز فصار وجوده وعدمه بمنزلة واحدة. ا هـ. وتعقبه في شرح منية المصلي بأن الاستشهاد المذكور غير متجه للفرق بين حالة الاختيار وحالة الاضطرار وأطال إلى أن قال ويؤيده ما أخرجه عبد الرزاق سئل علي رضي الله عنه عن صلاة العريان قال إن كان حيث يراه الناس صلى جالسا وإن كان حيث لا يراه الناس صلى قائما وهو وإن كان سنده ضعيفا فلا يقصر عن إفادة الاستئناس، وأما واقعة الصحابة المتقدمة فقد تطرق إليها احتمالات إما لأنهم اختاروا الأولى لما فيه من تقليل الانكشاف أو لأنهم كانوا مترائين أو لم يكن ليلا فسقط بها الاستدلال ولم يبين المصنف صفة القعود للاختلاف فيها ففي منية المصلي يقعد كما يقعد في الصلاة فعلى هذا يختلف في الرجل والمرأة فهو يفترش وهي تتورك وفي الذخيرة يقعد ويمد رجليه إلى القبلة ويضع يديه على عورته الغليظة والذي يظهر ترجيح الأول وأنه أولى لأنه يحصل به من المبالغة في الستر ما لا يحصل بالهيئة المذكورة مع خلو هذه الهيئة عن فعل ما ليس بأولى وهو مد رجليه إلى القبلة من غير ضرورة. والحاصل أن القعود على هيئة متعينة ليس بمتعين بل يجوز كيفما كان، وإنما كان القعود أفضل من القيام؛ لأن ستر العورة أهم من أداء الأركان؛ لأنه فرض مطلقا والأركان فرائض الصلاة لا غير، وقد أتى ببدلها وإنما كان القيام جائزا؛ لأنه وإن ترك فرض الستر فقد كمل الأركان الثلاثة وبه حاجة إلى تكميلها، كذا في البدائع ولقائل أن يقول ينبغي على هذا أن لا يجوز الإيماء قائما؛ لأن تجويز ترك فرض الستر إنما كان لأجل تكميل الأركان الثلاثة والمومئ بهما قائما لم يحرزهما على وجه الكمال مع أن القيام إنما شرع لتحصيلهما على وجه الكمال على ما صرحوا به في صلاة المريض أنه لو قدر على القيام دون الركوع والسجود أومأ قاعدا وسقط عنه القيام وفي المبتغى بالمعجمة وإن كان عنده قطعة يستر بها أصغر العورات فلم يستر فسدت وإلا فلا وفي فتح القدير ولو وجد ما يستر بعض العورة يجب استعماله ويستر القبل والدبر. ا هـ. فإن لم يجد ما يستر به إلا أحدهما قيل يستر الدبر؛ لأنه أفحش في حالة الركوع والسجود وقيل يستر القبل؛ لأنه يستقبل به القبلة ولأنه لا يستر بغيره والدبر يستر بالأليتين ا هـ. كذا في السراج الوهاج وسيأتي في باب الإمامة أن العراة لا يصلون جماعة وفي الذخيرة وأستر ما يكون أن يتباعد بعضهم عن بعضهم إذا أمنوا العدو والسبع وإن صلوا جماعة صحت مع الكراهة ويقف الإمام وسطهم وإن تقدم جاز ويغضون أبصارهم سوى الإمام، ثم المصنف رحمه الله لم يذكر أن على العاري الإعادة إذا وجد ثوبا، وقد أفاد النووي رحمه الله في شرح المهذب أنه لا خلاف بين المسلمين أنه لا تجب عليه الإعادة إذا صلى عاريا للعجز عن السترة. ا هـ. وينبغي أن تلزمه الإعادة عندنا إذا كان العجز لمنع من العباد كما إذا غصب ثوبه لما صرحوا به في كتاب التيمم أن المنع من الماء إذا كان من قبل العباد يلزمه الإعادة، ثم اعلم أنه إذا كان عاريا لا ثوب له وهو يقدر على شراء ثوب هل يلزمه شراؤه كالماء إذا كان يباع بثمن المثل وله ثمنه فإنه لا يتيمم. (قوله: والنية بلا فاصل) يعني من شروط الصلاة لإجماع المسلمين على ذلك كما نقله ابن المنذر وغيره، وأما الاستدلال على اشتراطها بقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} كما فعله السراج الهندي في شرح المغني فليس بظاهر؛ لأن الظاهر أن العبادة بمعنى التوحيد بدليل عطف الصلاة والزكاة عليها، وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» كما في الهداية وغيرها فلا يصح؛ لأن الأصوليين ذكروا أن هذا الحديث من قبيل ظني الثبوت والدلالة؛ لأنه خبر واحد مشترك الدلالة فيفيد السنية والاستحباب لا الافتراض، والنية إرادة الصلاة لله تعالى على الخلوص، وقد قدمنا في الوضوء الكلام عليها وقول الشارح إن المصلي يحتاج إلى ثلاث نيات: نية الصلاة التي يدخل فيها ونية الإخلاص لله تعالى ونية استقبال القبلة فيه نظر بل المحتاج إليه نية واحدة وهي ما ذكرناه فقولنا على الخلوص يغني عن الثانية وأما نية استقبال القبلة فليست شرطا على الصحيح كما ذكره في المبسوط سواء كان يصلي على المحراب أو في الصحراء والمراد بقوله بلا فاصل أي بين النية والتكبير الفاصل الأجنبي وهو عمل لا يليق في الصلاة كالأكل والشرب؛ لأن هذه الأفعال تبطل الصلاة فتبطل النية وشراء الحطب والكلام، وأما المشي والوضوء فليس بأجنبي، ألا ترى أن من أحدث في صلاته له أن يفعل ذلك ولا يمنعه من البناء، وبهذا علم أن الصلاة تجوز بنية متقدمة على الشروط إذا لم يفصل أجنبي كما صرحوا به فظاهر إطلاقهم يفيد أن النية قبل دخول الوقت صحيحة كالطهارة قبله، لكن ذكر ابن أمير حاج عن ابن هبيرة اشتراط دخول الوقت للنية المتقدمة عن أبي حنيفة وهو مشكل وفي ثبوته تردد لا يخفى لعدم وجوده في كتب المذهب، وفي الظهيرية وعند محمد يجوز تقديم النية في العبادات هو الصحيح وعند أبي يوسف لا يجوز إلا في الصوم. ا هـ. وفي منية المصلي والأحوط أن ينوي مقارنا للتكبير ومخالطا له كما هو مذهب الشافعي. ا هـ. وبه قال الطحاوي لكن عندنا هذا الاحتياط مستحب وليس بشرط وعند الشافعي شرط؛ لأن الحاجة إلى النية لتحقق معنى الإخلاص وذلك عند الشروع لا قبله قلنا النص مطلق فلا يجوز تخصيصه بالرأي على أن قوله صلى الله عليه وسلم: «وإنما لكل امرئ ما نوى» يفيد أنه يكون له ما نوى إذا تقدمت النية، فالقول بأنه لا يكون له ما نوى خلاف النص ولأن اشتراط القران لا يخلو عن الحرج مع ما في التزامه من فتح باب الوسواس فلا يشترط كما في الصوم والزكاة والحج حتى لو خرج من بيته يريد الحج فأحرم ولم تحضره النية جاز، ثم فسر النووي القران بأن يأتي بالنية مع أول التكبير ويستصحبها إلى آخره، وذكر في شرح المهذب أنه لا يجب التدقيق في تحقيق المقارنة وأنه يكفي المقارنة العرفية في ذلك بحيث يعد مستحضرا لصلاته غير غافل عنها اقتداء بالسلف الصالحين في مسامحتهم في ذلك وأشار المصنف إلى أنها لا تجوز بنية متأخرة خلافا للكرخي قياسا على الصوم وهو فاسد؛ لأن سقوط القران لمكان الحرج والحرج يندفع بتقديم النية فلا ضرورة إلى التأخير وجوز التأخير في الصوم للحرج وبهذا علم أن ما في خزانة الفتاوى والعتابي نسي النية فنوى عند قوله ولا إله غيرك يصير شارعا مبني على قول الكرخي على تخريج بعض المشايخ أنه يجوز إلى انتهاء الثناء، وقيل إلى أن يركع وهو مروي عن محمد، كذا في المجتبى وقيل إلى أن يرفع رأسه من الركوع وقيل إلى التعوذ وفي البدائع لو نوى بعد قوله الله قبل أكبر لا يجوز؛ لأن الشروع يصح بقوله الله فكأنه نوى بعد التكبير وجعله في المحيط مذهب أبي حنيفة وسيأتي إن شاء الله تعالى. (قوله: والشرط أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي) أي الشرط في اعتبارها علمه أي صلاة يصلي أي التمييز، فالنية هي الإرادة للفعل وشرطها التعيين للفرائض كذا في فتح القدير وفيه بحث؛ لأنه لو كان مرادهم من هذا الشرط اشتراط التعيين للفرائض لكان تكرارا إذ قالوا بعده وللفرض شرط تعيينه وفي شرح المجمع لابن الملك المراد أن من قصد صلاة فعلم أنها ظهر أو عصر أو نفل أو قضاء يكون ذلك نية له فلا يحتاج إلى نية أخرى للتعيين إذا أوصلها بالتحريمية. ا هـ. وفيه نظر؛ لأن النفل لا يشترط علمه والحق أنهم إنما ذكروا العلم بالقلب لإفادة أن النية إنما هي عمل القلب وأنه لا يعتبر باللسان لا أنه شرط زائد على أصل النية واشتراط التعيين، وأما قول الشارح وأدناه أن يصير بحيث لو سئل عنها أمكنه أن يجيب من غير فكر وعزاه في منية المصلي إلى الأجناس فإنما هو قول محمد بن سلمة كما ذكره في البدائع والخانية والخلاصة وإلا فالمذهب أنها تجوز بنية متقدمة على الشروع بشرطه المتقدم سواء كان بحيث يقدر على الجواب من غير تفكر أو لا ولهذا قال في الخانية والخلاصة ولو نوى قبل الشروع فعن محمد أنه لو نوى عند الوضوء أن يصلي الظهر أو العصر مع الإمام ولم يشتغل بعد النية بما ليس من جنس الصلاة إلا أنه لما انتهى إلى مكان الصلاة لم تحضره النية جازت صلاته بتلك النية، وهكذا روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف وفي البدائع وقد روي عن أبي يوسف فمن خرج من منزله يريد الفرض في الجماعة فلما انتهى إلى الإمام كبر ولم تحضره النية في تلك الساعة أنه يجوز، قال الكرخي: ولا أعلم أن أحدا من علمائنا خالف أبا يوسف في ذلك. ا هـ. وهو يفيد أنه يكفي تقدم أصل النية ونية التعيين للفرائض ولا يشترط المقارنة ولا الاستحضار لما نواه في أثنائها، بل كلام محمد بن سلمة يقتضي أنه لا يكفي مقارنة النية للتكبير بل لا بد من الاستحضار لها إلى آخر الصلاة لأنه قال لو احتاج إلى تفكر بعد السؤال لا تصح صلاته، وقد أجمع العلماء على أنه لو نوى بقلبه ولم يتكلم فإنه يجوز كما حكاه غير واحد فما في الخانية وعند الشافعي لا بد من الذكر باللسان مردود، وقد اختلف كلام المشايخ في التلفظ باللسان فذكره في منية المصلي أنه مستحب وهو المختار وصححه في المجتبى وفي الهداية والكافي والتبيين أنه يحسن لاجتماع عزيمته وفي الاختيار معزيا إلى محمد بن الحسن أنه سنة وهكذا في المحيط و البدائع وفي القنية أنه بدعة إلا أن لا يمكنه إقامتها في القلب إلا بإجرائها على اللسان فحينئذ يباح ونقل عن بعضهم أن السنة الاقتصار على نية القلب، فإن عبر عنه بلسانه جاز ونقل في شرح المنية عن بعضهم الكراهة وظاهر ما في فتح القدير اختيار أنه بدعة فإنه قال: قال بعض الحفاظ: لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح ولا ضعيف أنه كان يقول عند الافتتاح أصلي كذا ولا عن أحد من الصحابة والتابعين بل المنقول أنه صلى الله عليه وسلم: «كان إذا قام إلى الصلاة كبر» وهذه بدعة. ا هـ. وقد يفهم من قول المصنف لاجتماع عزيمته أنه لا يحسن لغير هذا القصد وهذا لأن الإنسان قد يغلب عليه تفرق خاطره فإذا ذكر بلسانه كان عونا على جمعه، ثم رأيته في التجنيس قال والنية بالقلب؛ لأنه عمله والتكلم لا معتبر به ومن اختاره اختاره لتجتمع عزيمته. ا هـ. وزاد في شرح المنية أنه لم ينقل عن الأئمة الأربعة أيضا فتحرر من هذا أنه بدعة حسنة عند قصد جمع العزيمة، وقد استفاض ظهور العمل بذلك في كثير من الأعصار في عامة الأمصار فلعل القائل بالسنية أراد بها الطريقة الحسنة لا طريقة النبي صلى الله عليه وسلم بقي الكلام في كيفية التلفظ بها ففي المحيط ينبغي أن يقول اللهم إني أريد صلاة كذا فيسرها لي وتقبلها مني وهكذا في البدائع و الحاوي وفي القنية إذا أراد النفل أو السنة يقول اللهم إني أريد الصلاة فيسرها لي وتقبلها مني وفي الفرض اللهم إني أريد أن أصلي فرض الوقت أو فرض كذا فيسره لي وتقبله مني وفي صلاة الجنازة اللهم إني أريد أن أصلي لك وأدعو لهذا الميت فيسره لي وتقبله مني والمقتدي يقول اللهم إني أريد أن أصلي فرض الوقت متابعا لهذا الإمام فيسره لي وتقبله مني. ا هـ. وهذا كله يفيد أن التلفظ بها يكون بهذه العبارة لا بنحو نويت أو أنوي كما عليه عامة المتلفظين بالنية من عامي وغيره لا يخفى أن سؤال التوفيق والقبول شيء آخر غير التلفظ بها، على أنه قد ذكر غير واحد من مشايخنا في وجه ما ذكره محمد في كتاب الحج أن الحج لما كان مما يمتد ويقع فيه العوارض والموانع وهو عبادة عظيمة تحصل بأفعال شاقة استحب طلب التيسير والتسهيل من الله تعالى ولم يشرع مثل هذا الدعاء في الصلاة؛ لأن أداءها في وقت يسير. ا هـ. وهو صريح في نفي قياس الصلاة على الحج وفي المجتبى من عجز عن إحضار القلب في النية يكفيه اللسان. ا هـ. وظاهره أن فعل اللسان يكون بدلا عن فعل القلب ومن المعلوم أن نصب الإبدال بالرأي لا يجوز وفي الغنية عزم على صلاة الظهر وجرى على لسانه نويت صلاة العصر يجزئه. (قوله: ويكفيه مطلق النية للنفل والسنة والتراويح)، أما في النفل فمتفق عليه؛ لأن مطلق اسم الصلاة ينصرف إلى النفل؛ لأنه الأدنى فهو متيقن والزيادة مشكوك فيها ولا فرق بين أن ينوي الصلاة أو الصلاة لله؛ لأن المصلي لا يصلي لغير الله، وأما في السنة والتراويح فظاهر الرواية ما في الكتاب كما في الذخيرة والتجنيس وجعله في الهداية هو الصحيح وفي المحيط أنه قول عامة المشايخ وفي منية المفتي وخزانة الفتاوى أنه المختار ورجحه في فتح القدير ونسبه إلى المحققين بأن معنى السنة كون النافلة مواظبا عليها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفريضة المعينة أو قبلها فإذا أوقع المصلي النافلة في ذلك المحل صدق عليه أنه فعل الفعل المسمى سنة فالحاصل أن وصف السنة يحصل بنفس الفعل الذي فعله صلى الله عليه وسلم وهو إنما كان يفعل على ما سمعت فإنه لم يكن ينوي السنة بل الصلاة لله تعالى فعلم أن وصف السنة ثبت بعد فعله على ذلك الوجه تسمية منا بفعله المخصوص لا أنه وصف يتوقف حصوله على نيته وذكر قاضي خان في فتاويه في فصل التراويح اختلاف المشايخ في السنن والتراويح والصحيح أنها لا تتأدى بنية الصلاة وبنية التطوع؛ لأنها صلاة مخصوصة فتجب مراعاة الصفة للخروج عن العهدة وذلك بأن ينوي السنة أو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وهل يحتاج لكل شفع من التراويح أن ينوي ويعين قال بعضهم يحتاج؛ لأن كل شفع صلاة والأصح أنه لا يحتاج؛ لأن الكل بمنزلة صلاة واحدة. ا هـ. فقد اختلف التصحيح فلذا قال في منية المصلي والاحتياط في التراويح أن ينوي التراويح أو سنة الوقت أو قيام الليل وفي السنة ينوي السنة. ا هـ. أطلق المصنف في السنة فشمل سنة الفجر حتى لو صلى ركعتين تهجدا، ثم تبين أنه صلاهما بعد طلوع الفجر أجزأتا عن السنة وفي آخر العمدة للصدر الشهيد إذا صلى أربع ركعات تطوعا قبل الفجر فوقع ركعتان بعد الطلوع يحتسب من ركعتي الفجر. ا هـ. وفي الخلاصة وبه يفتى وفيه نظر؛ لأن السنة إنما تكون بتحريمة مبتدأة بعد الطلوع ولم تحصل، وقد قالوا في سجود السهو: إنه لو قام إلى الخامسة بعد القعود على رأس الرابعة ساهيا فإنه يضم سادسة ولا ينوبان عن سنة الظهر لما قلنا فكذا في سنة الفجر اللهم إلا أن يقال لما كان التنفل مكروها في الفجر جعلناهما سنة بخلافه في الظهر ولا يخفى أن الأربع التي تصلى بعد الجمعة على أنها آخر ظهر عليه للشك في الجمعة إذا تبين صحة الجمعة فإنها تنوب عن سنتها على قول الجمهور؛ لأنه يلغو الوصف ويبقى الأصل وبه تتأدى السنة وعلى قول البعض لا تنوب لاشتراط التعيين. (قوله: وللفرض شرط تعيينه كالعصر مثلا) لاختلاف الفروض فلا بد من التعيين لقوله عليه الصلاة والسلام: «وإنما لكل امرئ ما نوى» أطلقه فشمل ما إذا قرن باليوم كعصر اليوم سواء خرج الوقت أو لا لأن غايته أنه قضاء بنية الأداء وهو جائز على الصحيح يدل على هذا مسألة الأسير إذا اشتبه عليه رمضان فتحرى شهرا وصام فوقع صومه بعد رمضان وهذا قضاء بنية الأداء، كذا في الظهيرية وشمل ما إذا قرن بالوقت كعصر الوقت أو فرض الوقت وقيدهما في فتح القدير بعدم خروج الوقت، فإن خرج ونسيه لا يجزئه في الصحيح وجعل هذا القيد الشارح قيدا في فرض الوقت فقط معللا بأن فرض الوقت في هذه الحالة غير الظهر فينبغي أن تكون نية عصر الوقت صحيحة وإن خرج الوقت ويكون الوقت كاليوم كما لا يخفى ويستثنى من فرض الوقت الجمعة فإنها بدل فرض الوقت لا نفسه فلا تصح الجمعة بنية فرض الوقت إلا أن يكون اعتقاده أنها فرض الوقت، وشمل ما إذا نوى العصر بلا قيد وفيه خلاف ففي الظهيرية لو نوى الظهر لا يجوز؛ لأن هذا الوقت كما يقبل ظهر هذا اليوم يقبل ظهرا آخر وقيل يجوز وهو الصحيح؛ لأن الوقت متعين له هذا إذا كان مؤديا، فإن كان قاضيا، فإن صلى بعد خروج الوقت وهو لا يعلم بخروج الوقت فنوى الظهر لا يجوز أيضا وذكر شمس الأئمة ينوي صلاة عليه، فإن كانت وقتية فهي عليه وإن كان قضاء فهي عليه أيضا. ا هـ. وهكذا صححه في فتح القدير معزيا إلى فتاوى العتابي لكن جزم في الخلاصة بعدم الجواز وصححه السراج الهندي في شرح المغني فاختلف التصحيح كما ترى وينبغي في مسألة شمس الأئمة أن لا يكون عليه صلاة غيرها وإلا فلا تعيين وأفاد أنه لو نوى شيئين فإنه لا يصح فلو نوى فائتة ووقتية كما إذا فاتته الظهر فنوى في وقت العصر الظهر والعصر فإنه لا يصير شارعا في واحدة منهما وفي منية المصلي ولو نوى مكتوبتين فهي التي دخل وقتها وعلل له في المحيط بأن الوقتية واجبة للحال وغيرها لا. ا هـ. وهو يفيد أنه ليس بصاحب ترتيب وإلا فالفائتة أولى كما لا يخفى وفي المنية أيضا لو نوى فائتة ووقتية فهي للفائتة إلا أن يكون في آخر وقت الوقتية. ا هـ. وهو مخالف للأول وأفاد في الظهيرية أن فيها روايتين ولو جمع بين مكتوبتين فائتتين فمقتضاه أنه لا يصح لكن في الخلاصة أنه يكون للأولى منهما وأقره في فتح القدير وعلل له في المحيط بأن الثانية لا تجوز إلا بعد قضاء الأولى وهو إنما يتم فيما إذا كان الترتيب بينهما واجبا ولو نوى الفرض والتطوع جاز عن الفرض عند أبي يوسف؛ لأن الفرض أقوى من النفل فلا يعارضه فتلغو نية النفل وتبقى نية الفرض وقال محمد لا يكون داخلا في الصلاة أصلا لتعارض الوصفين ولو نوى الظهر والجمعة جميعا بعضهم جوزوا ذلك ورجحوا نية الجمعة بحكم الاقتداء ولو نوى مكتوبة وصلاة جنازة فهي عن المكتوبة ولو نوى نافلة وصلاة جنازة فهي نافلة، كذا في الظهيرية وأطلق نية التعيين فشمل الفوائت أيضا فلذا قال في الظهيرية ولو كانت الفوائت كثيرة فاشتغل بالقضاء يحتاج إلى تعيين الظهر أو العصر وينوي أيضا ظهر يوم كذا، فإن أراد تسهيل الأمر ينوي أول ظهر عليه أو آخر ظهر عليه فرق بين الصلاة والصوم ففي الصوم لو كان عليه قضاء يومين فقضى يوما ولم يعين جاز؛ لأن في الصوم السبب واحد وهو الشهر فكان الواجب عليه إكمال العدد، أما في الصلاة فالسبب مختلف وهو الوقت وباختلاف السبب يختلف الواجب فلا بد من التعيين حتى لو كان عليه قضاء يومين من رمضانين يحتاج إلى التعيين. ا هـ. ويتفرع على اشتراط التعيين للفرائض ما قاله أبو حنيفة رحمه الله في رجل فاتته صلاة من يوم واشتبهت أنها أية صلاة فإنه يصلي صلاة كل اليوم حتى يخرج عما عليه ويتفرع أيضا ما في الظهيرية رجل لم يعرف أن الصلاة الخمس فرض على العباد إلا أنه كان يصليها في مواقيتها لا يجوز وعليه قضاؤها؛ لأنه لم ينو الفرض وكذا إذا علم أن منها فريضة ومنها سنة لكن لم يعلم الفريضة من السنة، فإن نوى الفريضة في الكل جاز وإن كان لا يعلم أن بعضها فريضة وبعضها سنة فصلى مع الإمام ونوى صلاة الإمام جازت، فإن كان يعلم الفرائض من السنن لكن لا يعلم ما في الصلاة من الفرائض والسنن جازت صلاته أيضا، فإن أم هذا الرجل غيره وهو لا يعلم الفرائض من النوافل فصلى ونوى الفرض في الكل جازت صلاته، أما صلاة القوم فكل صلاة ليست لها سنة قبلها كصلاة العصر والمغرب والعشاء يجوز أيضا وكل صلاة قبلها سنة مثلها كصلاة الفجر والظهر لا تجوز صلاة القوم. ا هـ. وأراد المصنف بالفرض الفرض العملي فيشمل الواجب فيدخل فيه قضاء ما شرع فيه من النفل، ثم أفسده والنذر والوتر وصلاة العيدين وركعتا الطواف فلا بد من التعيين لإسقاط الواجب عنه وقالوا: إنه لا ينوي فيه أنه واجب للاختلاف فيه وفي القنية من سجود التلاوة لا تجب نية التعيين في السجدات. ا هـ. وأما نية التعيين لسجدة التلاوة فلا بد منه لدفع المزاحم من سجدة الشكر والسهو وأراد باشتراط التعيين وجوده عند الشروع فقط حتى لو نوى فرضا وشرع فيه، ثم نسي فظنه تطوعا فأتمه على أنه تطوع فهو فرض مسقط؛ لأن النية المعتبرة إنما يشترط قرانها بالجزء الأول ومثله إذا شرع بنية التطوع فأتمها على ظن المكتوبة فهي تطوع بخلاف ما لو كبر حين شك ينوي التطوع في الأول أو المكتوبة في الثاني حيث يصير خارجا إلى ما نوى ثانيا لقران النية بالتكبير وسيأتي في المفسدات، وقد علم مما ذكره أنه لا بد من قطع النية لصحة المنوي فلو ردد لا يصح وهو ظاهر وقيد بنية التعيين؛ لأن نية عدد الركعات ليست بشرط في الفرض والواجب؛ لأن قصد التعيين مغن عنه ولو نوى الظهر ثلاثا والفجر أربعا جاز، وقد علم مما قدمناه من أنه لا معتبر باللسان أنه لو نوى الظهر وتلفظ بالعصر فإنه يكون شارعا في الظهر كما صرحوا به. (قوله: والمقتدي ينوي المتابعة أيضا) لأنه يلزمه الفساد من جهة إمامه فلا بد من التزامه والأفضل أن ينوي الاقتداء عند افتتاح الإمام، وقول الشارح الأفضل أن ينوي بعد تكبير الإمام فيه بحث؛ لأنه يلزم منه أن يكون تكبير المقتدي بعد تكبير الإمام؛ لأن التكبير إما مقارن بالنية أو متأخر عنه وسيأتي أن الأفضل أن يكبر القوم مع الإمام ذكره ملا خسرو في شرحه، وقد يقال: إنه مبني على قولهما ولو نواه حين وقف الإمام موقف الإمامة جاز عند عامة المشايخ وقيل لا يجوز؛ لأنه نوى الاقتداء بغير المصلي، فإن نوى حين وقف عالما بأنه لم يشرع جاز وإن نواه على ظن أنه شرع فيه ولم يشرع بعد قال بعضهم لا يجوز، كذا في الظهيرية مقتصرا عليه، وأشار بقوله أيضا إلى أنه لا بد للمقتدي من ثلاث نيات: أصل الصلاة ونية التعيين ونية الاقتداء وأن نية الاقتداء لا تكفيه عن التعيين حتى لو نوى الاقتداء بالإمام أو الشروع في صلاة الإمام ولم يعين الصلاة فإنه لا يجوز وهو قول البعض والأصح الجواز كما نقله الشارح وغيره وينصرف إلى صلاة الإمام وإن لم يكن للمقتدي علم بها؛ لأنه جعل نفسه تبعا لصلاة الإمام فلو أسقط قوله أيضا لكان أولى بخلاف ما إذا نوى صلاة الإمام ولم ينو الاقتداء حيث لا يجزئه؛ لأنه تعيين لصلاة الإمام وليس باقتداء به، ونظيره ما لو انتظر تكبير الإمام، ثم كبر بعده فإنه لا يكفيه عن نية الاقتداء؛ لأنه متردد قد يكون بحكم العادة، وقد يكون لقصد الاقتداء فلا يصير مقتديا بالشك خلافا لما ذهب إليه بعض المشايخ من أنه يكفيه عن نية الاقتداء ورده في البدائع وغيره وأطلق في اشتراط نية المتابعة فشمل الجمعة لكن في الذخيرة وفتاوى قاضي خان لو نوى الجمعة ولم ينو الاقتداء بالإمام فإنه يجوز؛ لأن الجمعة لا تكون إلا مع الإمام وذكره في منية المصلي معزيا إلى البعض وأفاد أن تعيين الإمام ليس بشرط في صحة الاقتداء فلو نوى الاقتداء بالإمام وهو يظن أنه زيد فإذا هو عمرو يصح إلا إذا نوى الاقتداء بزيد فإذا هو عمرو فإنه لا يصح؛ لأن العبرة لما نوى ولو كان يرى شخصه فنوى الاقتداء بهذا الإمام الذي هو زيد فإذا هو خلافه جاز؛ لأنه عرفه بالإشارة فلغت التسمية ومثل ما ذكرنا في الخطأ في تعيين الميت فعند الكثرة ينوي الميت الذي يصلي عليه الإمام وفي عدة الفتاوى ولو قال اقتديت بهذا الشيخ وهو شاب صح؛ لأن الشاب يدعى شيخا للتعظيم ولو قال اقتديت بهذا الشاب فإذا هو شيخ لم يصح. ا هـ. وفي الظهيرية وينبغي للمقتدي أن لا يعين الإمام عند كثرة القوم ولا يعين الميت وقيد بالمقتدي؛ لأن الإمام لا يشترط في صحة اقتداء الرجال به نية الإمامة؛ لأنه منفرد في حق نفسه، ألا ترى أنه لو حلف أن لا يؤم أحدا فصلى ونوى أن لا يؤم أحدا فصلى خلفه جماعة لم يحنث؛ لأن شرط الحنث أن يقصد الإمامة ولم يوجد بخلاف ما لو حلف أن لا يؤم فلانا لرجل بعينه فصلى ونوى أن يؤم الناس فصلى ذلك الرجل مع الناس خلفه فإنه يحنث وإن لم يعلم به؛ لأنه لما نوى الناس دخل فيه هذا الرجل، وأما في حق النساء فإنه لا يصح اقتداؤهن إذا لم ينو إمامتهن؛ لأن في تصحيحه بلا نية إلزاما عليه بفساد صلاته إذا حاذته من غير التزام منه وهو منتف وخالف في هذا العموم بعضهم فقالوا لا يصح اقتداء النساء وإن لم ينو الإمام إمامتهن في صلاة الجمعة والعيدين وصححه صاحب الخلاصة والجمهور على اشتراطها في حقهن لما ذكرناه، وأما صلاة الجنازة فلا يشترط في صحة اقتدائها به فيها نية إمامتها بالإجماع، كذا في الخلاصة. (قوله: وللجنازة ينوي الصلاة لله والدعاء للميت) لأنه الواجب عليه فيجب تعيينه وإخلاصه لله تعالى فلا ينوي الدعاء للميت فقط نظرا إلى أنها ليست بصلاة حقيقة فإن مطلق الدعاء لا يحتاج إلى نية.
|